الجمعة، 23 مايو 2014

سوانح قرائية

سوانح في القراءة .. .

١.ما يُعجِب صاحبَك من الكُتب ليس بالضرورة أن يُعجِبك .. أحدهم لجّ في الثناء على أطروحات "علي الوردي" وكان يراني أقرأ للغزالي فيقول : دعه وانصرف للورديّ ! وأنا أثق في رأيه وذوقه ، وكان يقول لي تأكيدا وإلحاحا : (عليك بكتابه : وعاظ السلاطين) المهم اقتنيتُ أكثر كتبه .. قرأتُ له كتابيْن ونصف - لا سيما وعاظ السلاطين - !! ثم أعرضتُ عنه غير نادم ! يكفي أنه يستشهد في الأحداث التاريخية بكتب الأدباء كالعقّاد وطه حسين ويترك المصادر التاريخية الأصيلة !! كان كاتبًا مملا في الحقيقة .. هذا رأيي على الأقل : ) .

٢.الروايات استثناء وليست أصلا ! لا تجعلها شيئا أصيلًا في حياتك المعرفية .. إنما اجعلها للاستجمام والترويح ، هذا إذا كانت الرواية مفيدة ومغذّية معرفيًا ، أما إذا كانت غير ذلك فهي ضياع للعمر وهدرٌ للوقت .. أما الأوجه التي يمكن من خلالها أن نحكم على الرواية بالفائدة من عدمها .. فهي عديدة .. من أهمهما في نظري : أن تكون ثريّة لغةً (مفردات - معاني - أساليب بلاغية .. إلخ ) وإن لم تكن مفيدة في جانب آخر، أن تكون ثريّة علميًا (الحديث عن حقبة تاريخية - عن شخصية مؤثرة - عن حقائق علمية .. إلخ) .. وما سوى ذلك "خمبقة" وفلتَان معرفيّ ! .

٣.للأمانة .. القراءة غير المنهجية مريحة، تعيش معها في سلام نفسيّ، وهي أقرب للتسلية منها إلى البناء العلمي، كما أنها أفضل -بلا شك- لمن لا يحبّ القراءة -كمرحلة ينتقل منها للقراءة المنهجية- .. يعني .. مرّة في التاريخ ، مرة في الأدب ، مرة في السياسة ، مرة في العقيدة .. وهيك ! إذا أنت حالف بالله ما تقرأ بمنهجية فامضِ على بركة الله ولا تلتفت للمثاليين : ) .

٤.لا تجبر نفسك على قراءة كتاب !! ما فيه شي بالقوّة .. أعجبك الغزالي ؟ روح .. الله معك ! أعجبك المنفلوطي في رواياته ولم يعجبك في مقالاته ؟! خلّ مقالاته له وأبحر مع رواياته .. اها !! تسمع عن مقالته (العظمة) وترغب في قراءتها دون باقي مقالاته ؟ اِفعل ولا حرج .. القراءة يُسر ولن يُشاد القراءة أحدٌ إلا غلبته : ) الله يذكر مقدمة ابن خلدون بالخير 😰 .

٥.هناك كتب خُلِقت كعلاج للأرق، أو لتعجيل النوم قبل أوانه .. يا سلام ! الله لطيف بعباده .. احرص أن تكون قريبة من فراشك حتى تتصفحها بكل أريحية، اممم مثل ايش ؟ بالنسبة لي .. مثل .. مذكرات لورنس العرب "ثورة في الصحراء" هذا الكتاب يكفيني منه خمس ورقات حتى أدخل في غيبوبة صغرى : ) استخدمته حتى الآن في ست نومات .. فكم في ذلك من ورقة ؟ : ) .

6.المؤلف شخص مشهور ؟ نعم ؟ طيب .. هذا لايعني أنه صاحب قلمٍ فاخِر ! البعض يقتاتُ على شهرته فينخدع له الناس ! مثلًا : تجد أحدهم لاعبًا مشهورًا أو إعلاميًا له حضور قوي أو مغردًا حالفه حظه أن يكثر متابعوه لأنه كان يتبنى قضايا معينة كان المجتمع يبحث عمن يسمعون له في هذه القضايا .. وفجأة صار الثلاثة يستغلون شهرتهم للاسترزاق عبر معارض الكتاب .. وكل معرض كتاب جديد .. وكل كتاب "أبيَخ" من سابقه .. وكل ساقط له لاقط !! وضاع وقتك في تقليب أوراق قيمتها ضئيلة عند الله وعند الناس !! صديقي الصدوق : الشُهرة زيْف .. لا تنخدع بكل مشهور .
.
٧.في المقابل .. تجد النفائس عند الأغمار الأخفياء ، يُبدعون بلا ضجيج !! لا صراخ .. لا دعايات .. لا لقاءات إعلامية .. لا "شوفوني" .. الإبداع بهدوووء ! لي قريب فلتة في كتابة القصة القصيرة، يكتبها بعمق فلسفي رهيب؛ وعنده رصيد مهول من القراءة في هذا الفن وفي غيره .. آخر تفكيره أن يلمّع نفسه .. مع علمي بيقين أنه لو خرج للساحة لاكتسح كثيرًا من القُصّاص المزيّفين .. إذا انتهى من كتابة مجموعة قصصية أخذ لها فسح من وزارة الإعلام لحفظ الحقوق و"كبّر الوسادة"، طبع مرة إحدى مجموعاته .. الطريف أن البعض يسأله أين تباع مجموعته ومَن الموزّع ؟؟ يجيب : لا أدري : ) ثم يعوّضهم بنسخة الكترونية : ) .. يا ترى .. هل مرّ بك مؤلف اسمه : (سيّد التيدي) ؟ أظنك لا تعرفه .. أتفهّم ألا يعرفه عامة الشباب لكن يؤلمني ألا يعرفه المتخصصون في الشريعة أو القانون، وهو صاحب مشروع ضخم لعلي أتكلم عنه في منشور مستقل بإذن الله .
.
٨.ما دمتَ قارئًا حُرّا .. فليس من المهم أن تأتي على الكتاب من الجلدة إلى الجلدة ! اقرأ بعضه .. اقرأ نصفه .. اقرأه من الأسفل للأعلى .. اقرأه من اليسار لليمين .. اقرأه مستلقيًا .. منبطحًا .. مرفوعًا .. مكسورًا .. منصوبا .. لا تقيّد حرّيتك : ) وأيضًا .. قد تقتني الكتاب لأجل جزئية معينة .. مثلًا : اقتنيت كتابًا عن جماعة الإخوان المسلمين لتتعرف عليهم عن كثب .. أو بالأحرى تريد أن تتعرف على ما حصل بينهم وبين عبدالناصر ! خلاص تجاوز التأسيس وتجاوز الكلام عن حسن البنا ، واقرأ المبحث الذي حددته مسبقا ثم أغلق الكتاب .. فإن أردت المزيد فأنت حُرّ : )
.
٩.إذا وجدتَ كتابًا تبحث عنه منذ أمدٍ طويل فاقتنه ولو بمثاقيل الذهب، ولو ركبتك الديون، ولو بعت دابتك وبيتك وأهلك، هي فرصة واحدة فقط .. تكون أولا تكون !
.
١٠.الكتب المترجمة تحتاج إلى شيء من التأني، لا تتعجل في اقتنائها قبل أن تسبرها وتتأكد من جودة الترجمة .. فما أكثر اللصوص ..

١١.الاطلاع على المقدمة وفهرس الكتاب يعطيك تصوّرًا لا بأس به عن المضمون، كما أنه يختصر لك الطريق في معرفة مدى حاجتك للكتاب أو مدى إلمامه بما تريد .. مثلًا .. "حادثة المنشيّة" من أكبر المنعطفات في تاريخ "الإخوان المسلمين" إن لم تكن أكبرها ع الإطلاق، حيث كانت سببًا في بطش "جمال عبدالناصر" بالجماعة وتوحّشه تجاهها، وقد أَعدَم بسببها ستةً من رموز الجماعة واعتقل ٢٤ ألفًا من أفرادها، وبطش بهم وعذّبهم عذابًا أليما .. مع أنهم - أي الإخوان - رفاقه في الثورة على النظام الملكيّ ! ورغم مضيّ عقودٍ من الزمن على هذه الحادثة إلا أنها لا تزال محجّبة بالغموض ولا تزال أحداثها مشحونة بـ كَمٍّ وافر من الاستفهامات ! المهم .. أنتَ كباحث تريد الوقوف على حقيقة هذه الحادثة، عندما تجدُ كتابًا يتكلم عن تاريخ الإخوان .. اِفتح الفهرس وانظر هل في مباحث الكتاب حديثٌ عنها ؟ نعم ؟ جميل .. في كم ورقة تكلّم عنها ؟ ورقتين ؟ اها .. ثلاث ! إذًا .. هذا الكتاب لا يكفي حتى تستوعب تفاصيل الحادثة، فهي أكبر بكثير من ثلاث ورقات .. فابحث عن كتب أخرى .. وهكذا ..
.
١٢.الناس في تدوين الفوائد مدارس، كل حزبٍ بطريقتهم فرِحون، البعض ينقل الفوائد في دفتر مستقل، والبعض يكتفي بخط تحت الفائدة أو قوسين أو تلوين بأقلام "الفلوماستر"، والبعض ينقل عنوان الفائدة مع رقم الصفحة إلى أول ورقة في الكتاب .. وهكذا .. كل ما عليك أن تعمل بما يمليه عليك هواك وبما تحبه ! إذا مالك نظر تدوّن فوائد .. فأنت وما تريد، أهم شيء استمتع : )
.
١٣.غالبًا مكتباتنا صغيرة وكتبنا قليلة - وإن استكثرناها- .. لا تسوي زحمة وتصنيف "ديوي" وهياط أنصاف المثقفين : ) خلك على نظام أبو رفّين وثلاثة ! إذا ازدحمت الرفوف فـ عليك بالأرض .. غرفتك وسيعة ليش الإسراف ؟ : ) أهم شيء توزعها بطريقة مرتبة تجعل الوصول للكتاب عمليّة سهلة، وكذلك .. من المهمات انك ترجّع الكتاب لمكانه في الرف أو على الأرض إذا انتهيت منه .. (يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون) : | .
١٤.بعض الكتب تشدّك بشكل لا نظير له، حتى انك تصطحبها معك في أكلك وشربك .. ألا تعتقد أن الكتاب الذي أرغمك مضمونه على القراءة فيه في أوقات الأكل والشرب يستحق أن تحافظ عليه ؟ بلى ..
.
١٥.للجميع .. للقارئ الحرّ وغير الحرّ .. إذا كنت تشعر بالملل من التزام كتاب واحد، فلتجرّب قراءة كتابين أو ثلاثة كتب معًا في فنون مختلفة، فالتنويع يجدي مع الكثير، ويطرد الملل .. لاسيّما إذا كان بينها كتاب للاستجمام كالروايات وكتب الأخبار

 ١٦.تحت كلّ كلمةٍ تقرؤها - في أي كتاب - ستجدُ ينبوعًا فوّارًا ينبجس بالعلم والمعرفة .. ماذا يعني هذا الكلام !؟ أنا أشرح لك .. مثلًا : إذا شرعتَ في قراءة مذكرات الشربجيّ ستجدُ أنه تكلم عن "مجزرة تدمر" في إشارةٍ عابرة .. لتكن هذه الإشارة بوابة لك في البحث عن حقيقة هذه المجزرة وأسبابها وما الذي جرى فيها تحديدا ! ابحث في صفحات الويب وفي اليوتيوب وفي بطون الكتب ، اجعل عمقك المعرفي بهذه الحادثة يليق بها . أيضًا .. إذا قرأت في كتب المتقدمين أو الأدباء فوقعت على مفردة لغوية غير مألوفة "وخْط" مثلًا .. فابحث عن معناها في المعاجم وجرّب أن تضعها في جملةٍ مفيدة واستخدمها في كتاباتك هنا وهناك ، وكذلك .. لو وقعتَ على مصطلحٍ تجهله أو مَثَلٍ لا تعرف قصته "بعد خراب مالطا" مثلًا .. أو وقعتَ على اسم علَمٍ من الأعلام مرّ بك عَرَضًا في كتابٍ بين يديك .. فلا تتردد في البحث عن قصة ذاك المثل أو سيرة هذا العلَم فلن تُعدَم فائدة .. قبل فترة كنتُ موغلًا في القراءة عن "حادثة المنشية" فوقعت على اسم "هنداوي دوير" فقمت بالبحث عنه من خلال "النت" فبانَ لي طرف من حياته وسيرته ، ومما استفدته أنه هو صاحب قصيدة "أمامًا أمامًا جنود الفداء" فوضعتُ جزءًا منها في منشور سابق- وحسبك بها فائدة - .. وهكذا ! أضعف الإيمان أن تقوم ببحث سريع على النت .. ستخرج بنتيجة كبيرة ومرضية .. .

١٧.استفد من مراجع الكتاب ، إذا قرأتَ كتابًا وشدّك ما فيه من العلم والمعرفة ، فانظر ثبت المراجع فإنك ستجدُ فيه مزيدًا - غالبًا - على ما استودع المؤلف في كتابه ، وهذا بحد ذاته مكسب (أشار إلى هذا أحد المتابعين لكنني أفردته لأهميته) . .

١٨.القراءة في هزيع الليل أمتع بكثير من القراءة في وضح النهار ! لا تلتفت إلى هذا الكلام فهو رأيي فحسب !! نفسُك و ما تهوى .. إذا رأيت أن القراءة في النهار أجدى فليكن ، لا تُخضِع نفسك لآراء الآخرين ، المهم أن تكون مستفيدًا مقتنعًا بما أنت عليه ، ولو أن تقرأ وأنت تخرج من عنق زجاجة .. .

١٩.المذكرات الجامعية وعاءٌ مُلِئ علما .. كل التخصصات موجودة في الجامعات ، تحب العقيدة ؟ الفقه ؟ الحديث ؟ اللغة ؟ الأدب ؟ التاريخ ؟ الإعلام ؟ الطب ؟ الـ .. الـ .. الـ .. إلخ ، فقط اِسأل عن أمهر الأكاديميين في المجال الذي تحب - من أي جامعة - و أنشئ رحلةً في البحث عن مذكراتهم في مراكز "خدمات الطالب" التي تعتني بمذكرات الدكاترة ، والله ستجد كنوزًا !! .

٢٠.تلخيص الكتاب مفيد جدا في ترسيخه إن كنت تقوى - وهذا مجرب - ، وما كلُّ كتابٍ يُلخّص ..

منقول *

جزاه الله خيرا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق