الجمعة، 12 أكتوبر 2012

من العطالة إلى الريادة

نص مميز للكاتب الدكتور \ عبدالكريم بكار
من كتابه " قطار التقدم "


"من العطالة إلى الريادة 


لدى كل واحد منا قدر من العطالة وقدر من الهدر في الانتاجيه الشخصيه
كما ان لديه قدرا من الميل إلى التقليد والعيش في الظل ، إلى جانب شئ من الاستهانة بالإمكانات الخاصة التي يملكها... هذا هو شأن معظم الناس في الحقيقة ، ولهذا فإنني أقول - وأنا مطمئن - إن أكثر الناس عاديون ، والناجحون منهم بوضوح قد لا يصلون إلى 10% أما الناجحون جدا فقد لايصلون إلى 1% وتختلف هذه النسبة بالطبع من بيئة إلى بيئة ، ومن بلد إلى بلد ، لكن يمكن القول : إن الذين يعيشون في بيئات ضيقة ، وفي وسط اجتماعي شديد التلاحم - القبيلة مثلا - يغلب عليهم التقليد والتبعية ، وتكون الروح الريادية والإبداعية لديهم مغلولة ، وقد عبر عن ذلك دريد حين قال :

وهل أنا إلا من غزية إن غوت      غويت وإن ترشد غزية أرشد


إن في إمكان كل واحد منا أن يجد نفسه في عداد الرواد الذين يقودون ويؤثرون ، ويضيفون إلى الحياة الكثير من الأشياء الجميلة والعظيمة ، لكن هذا يتطلب عددا من التغييرات على المستوى الفكري والروحي وعلى المستوى السلوكي أيضا ، ولعلي أشير هنا إلى شئ من ذلك عبر المفردات التالية :

أ- تقليل الاعتماد على الآخرين :


ليحاول الواحد منا القيام بشؤونه الخاصة والتقليل من الاعتماد على الآخرين قدر الإمكان ، لأ، ذلك يشكل اللبنة الأولى على طريق الخلاص من العطالة ، وكلنا يذكر كيف أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد على بعض أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا ، وقد التزموا بذلك حتى كان سوط أحدهم يسقط منه وهو على دابته ، فينزل عنها ، ولا يطلب من أحد مناولته إياه .

ب- الحذر من الاندماج الاجتماعي :


التيار العام في المجتمع لا يكون في الغالب راشدا ، ولا يكون يقينا هو الأرشد ، ومن ثم فإن على الواحد منا أن يترك دائما مسافة بينه وبين ما عليه عامة الناس من هموم واهتمامات وتطلعات ومواقف وسلوكيات وأخلاق وعادات ... هذه المساحة ضرورية لصون الذات من الإندماج في شئ ليس هو الأفضل ، وضرورية لممارسة الخصوصية ، وهي مع هذا وذاك شرط من شروط الريادة حيث أن الرائد يتقدم الصفوف بوعيه ورؤيته وبجده أيضا ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حين قال : ( لا تكونوا إمعة تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم ، إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساؤوا ألا تظلموا ) توطين النفس على الانفصال عما هو سائد يعني اكتساب عادات جديدة في التفكير وبلورة الرؤية والتواصل مع الناس  ، وهذا كله في عمق التغيير الذي نتحدث عنه .

ج- طموح عال :


لا ينتقل المرء من الكلالة والعطالة إلى السبق والريادة إلا من خلال امتلاكه بعض الطموحات والتطلعات التي تتجاوز طموحات الوسط الذي يعيش فيه .
والحقيقة أن طموحات الناس تشكل انعكاسا لرؤيتهم للحياة كما تشكل انعكاسا للتربية التي تلقوها ، وانعكاسا للامكانات التي في حوزتهم والظروف التي يعيشون فيها . حيت تكون الأوضاع جيده والأحوال مزدهرة فإن طموحات كل أو معظم الناس ترتفع وتكبر ، والرواد وحدهم هم الذين تتعاظم طموحاتهم في الظروف الصعبة بسبب تأبيهم على الخضوع لها ، وبسبب أنهم يرون من الفرص مالا يراه غيرهم ، ورحم الله عمر بي عبدالعزيز صاحب الهمة العالية والتطلعات الكبرى حين يقول ، ان لي نفسا تواقه ، وإنها لم تعط شيئا من الدنيا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ، فلما أعطيت مالا ألإضل منه في الدنيا - يعني إمارة المسلمين - تاقت إلى ماهو أفضل منه ، يعني الجنة ، لاحاجة إلى القول : إن كل طموحاتنا ينبغي أن تكون مشروعة ، كما ينبغي أن يقربنا تحقيقها من  الله زلفى .

د- لا ريادة من غير مبادرة :


امتلاك روح المبادرة شرط للرياده حيث إن معظم الناس يخافون من طرح الأفكار والمشروعات الجديدة ، لأنهم لا يحبون تحمل المخاطرة التي يمكن أن تنتج عنها ، أو لأنهم أدمنوا العيش في ظل الآخرين ، أو لأنهم يعتقدون أنهم أقل من أن يكون لهم موقف مبادر ، فهناك في ظنهم من هو أولى منهم بالمبادرة !!
امتلاك روح المبادرة يتطلب منا أن نحرص على سلوك طريق جديد غير الطريق الذي يسلكه الناس في العادة ، كما يتطلب أن نعمل على توليد الأفكار الذكية التي تفتح حقولا جديدة للممارسة ، ولابد مع هذا وذاك من تشوق لا يعرف الحدود إلى سد الثغرات التي يمكن أن يدخل منها ما يؤذي الأمة مع الإدمان على طرح الأطر والمشروعات الجديدة ، وكل هذا ممكن إذا اطلعنا على تجارب الآخرين ، واذا آمنا بأن قدرا من المبادرة متاح دائما لكل الناس .

هـ - مظاهر ريادية :



كثيرون أولئك الذين يدعون الريادة ، ويطلبون الآخرين بحقوقها مع أنك حين تنظر في منجزاتهم العملية ، فإنك قد تصاب بشئ من خيبة الأمل ، الريادة في الحقيقة أثار ونتائج وتأثير وتقد على الصفوف ، وأعتقد أن من تجلياتها الآتي :
- العمل على تنشئة مجموعة دعوية أو فكرية أو تطوعية أو خيرية ... وقيادة تلك المجموعه بكفاءة واخلاص ، مع اتخاذك تحديات قيادتها طريقا لثقيف نفسك بأخلاق القادة وتعويدها الإلتزام بعاداتهم .
- اجعل التطوع جزءا من حياتك ، حيث لا يصح لأي مسلم مثقف وغيور أن لا يكون له انتماء إلى مؤسسة تطوعية أو خيرية ، فالمبادرون لا يستطيعون رؤية أزمات الأمة دون أن المسارعة إلى الإسهام في تخفيفها .
- ليكن لك مشروعك خاص سواء أكان فكريا أو خيريا أو تجاريا ، واعمل على نجاحه ، فالمشروع الناجح ينقل صاحبه من صفوف الناس العاديين إلى صفوف المتميزين .
- ليكن لديك دائما هدف كبير يجسد رؤيتك للمستقبل واهتمامك به ، وتضغط من خلاله على الوقت ، لأن الوقت يضيع سدى إذا لم نضغط عليه بأهداف مستقبلية "